انتشار السكان وفلسفة فهم المكان "دراسة تحليلية في جغرافية ‏السكان"‏

هدف البحث دراسة ظاهرة انتشار السكان من زاوية فلسفية مكانية، محاولًا تجاوز التفسير الكلاسيكي الذي يربط التوزيع السكاني فقط بالعوامل البيئية والاقتصادية، لفهم أعمق يُبرز الدور الذي يلعبه إدراك الإنسان للمكان في اتخاذ قرار الاستقرار أو الهجرة. ينطلق البحث من فرضية أساسية مفادها أن الإنسان لا يختار المكان عشوائيًا بل بناءً على فهم مركب لطبيعته، وإمكاناته، ورمزيته، وتاريخه، ومدى توافقه مع منظومته الثقافية والاجتماعية. يركز البحث على تحليل العلاقة الجدلية بين "المكان" كمفهوم جغرافي، و"الفهم" كآلية عقلية وثقافية توجه سلوك الإنسان السكاني، حيث يُظهر انتشار السكان ارتباطه بدرجة تقدير الإنسان للمكان وتفسيره له كملاذ صالح للعيش، وليس فقط كموقع جغرافي مناسب, وقد توصل البحث إلى أن العوامل الجغرافية (كالبيئة، الماء، المناخ، الموقع) لا تعمل بمعزل عن الوعي البشري، بل إن تأثيرها يتفاوت حسب فهم السكان لها وإدراكهم لفرصها أو تهديداتها, كما بيّن أن بعض المناطق تشهد "فراغًا سكانيًا" لا بسبب قسوتها الطبيعية فقط، بل بسبب قصور في فهمها أو ضعف في إدماجها ضمن التصورات الاجتماعية السائدة. اعتمد البحث المنهج السلوكي، مدعومًا بإطار نظري من الفكر الجغرافي والفلسفي، وبالاستعانة بدراسات حالة مختارة لتوضيح كيف يؤثر الفهم البشري للمكان في رسم خريطة الانتشار السكاني. ويُعد هذا البحث مساهمة في توسيع أفق الدراسات السكانية، من خلال دمج الفلسفة الجغرافية في تفسير السلوك السكاني، وفتح المجال أمام مقاربات جديدة لقراءة العلاقة بين السكان والمكان .